مختصر تاريخ مدينة "الكوت" و مالها وعليها .؟
مدينة الكوت هي مدينة عراقية مركز محافظة واسط تقع جنوب العاصمة بغداد على بعد ١٨٠ كيلو متر ، أتخذت الكوت هذه التسمية والكثير من الناس لا يعرف ومن أين أتت هذه التسمية وما هو مصدرها و السبب وراء هذه التسمية وأمتدادها عبر الزمن ؟
الكوت : هي كلمة هندية تعني "القلعة "
ولكن للباحثين رأي أخر وهو مفاده أن كل مايبنى حول الماء وبالقرب من ضفاف الأنهار و الأهوار وتكاد المياة أن تحيط به من كل جانب لجماعة من الناس من الفلاحين و الصيادين والكسبة وغيرهم ليتخذوا منه مساكن لهم هو مايبنى من البيوت التي تتخذ من "القصب والبردي" و الذي يصنع منه البواري والتي تنسج وتحاك بعضها ببعض بشكل جيد ومتقن وأيضا قد يختلط معها بعض الاكواخ الطينية التي يتم بنائها من الطين والحجارة اليابسه أو اللبن يطلق عليها تسمية "كوت" وذلك كون الماء يلتف حولها من جهات وجوانب غير منتظمه وتشكل شبه جزيرة.
لم نقف على مصدر يؤرخ تاريخ تأسيس هذه المدينة "الكوت" إطلاقا على مر التاريخ بيد أن هناك رواية ضعيفة (خلاصتها) أن شخص يدعى (سبع بن خميس) ينسب الى عشيرة مياح آنذاك ويقال أنه أحد رجالاتها أنه شيد قلعة له هناك أتخذها سكناً له وهي بنيت من الأجر والطين ولهذا لم نعثر الى أي معلم يدل و يشير لها غير تلك القصة المرويه عبر الأجيال ، فسميت "قلعة سبع" في هذا الموضع المسمى في ذلك الحين .
ذلك حسب التقدير الزمني للتاريخ وذلك تقريباً في أواخر سنة ١٨١٣م وكانت تلك هي نواة إنطلاق نهضتها الحديثة والعمرانية وقد بقيت الى ردحاً من الزمن يطلق عليها الناس هذا الإسم منهم المتقدمين من كبار السن كانوا متمسكين بهذه التسمية ويزعمون صحتها و بهذه القصة والتي لم نقف على مصدرها إلا النقل على ألسنة الناس!
وأيضا هناك أضطراب كبير في النقل التاريخي في تأسيس مدينة "الكوت" حيث يذكر الاستاذ "أمين حلواني" في كتابه "مختصر مطالع السعود"
"أن الكوت موجودة في زمن ولاية الوالي سليمان باشا الممتدة من سنة ١١٩٣هـ - ١٧٧٩م.
أيضا مايؤيد الأدعاءه هو التقرير الاستخباري السري المرسل الى حكومة الهند المرفوع من الجواسيس الموجودين في العراق الذين يعملون لصالح الإنجليز وهو يحمل تفاصيل حول الوضع في العراق وضعف والأضطراب الإداري للحكومة العثمانية والأحوال الاجتماعية والمعيشية المتردية والصراعات القبيلة والغزوات التي تحدث بين القبائل والعشائر في تلك الحقبه المظلمة .
يقول الرحالة "أيليس" في مذكراته ، في رحلة "أيليس أيرون" والذي أنحدر برحلته الى مدينة البصرة ذلك في عام ١١٩٦م ( قال في الساعة الثانية بعد الظهر مررنا بمدينة "كوت عمارة" حيث أحد شيوخ بني لام .)
لم يحدد لنا "ايليس" في رحلته على دقة تحديد الموقع الجغرافي الذي تحدث عن المدينة وأكتفى فقط بذكر "كوت عمارة" والمعلوم أن قبيلة بني لام والتي تسكن منذ عقود طويلة في مدينة العمارة و ضواحيها الى ناحية شيخ سعد والتي كانت ردحاً من الزمن تابعة الى لمحافظة ميسان .
لا نستطيع القطع بصحة هذا القول و ما جاء وماتوالت الروايات فهي كلها مبنية على الضعف والسقامة وطرحها لا يمكن لنا الأخذ به على ما ورد عبر الرحالة أو غيره وهو عدم الوضوح وبيان المعالم المقترنه على ماورد كتحديد الموقع الجغرافي والوصف الدقيق للموقع بشكل تام والقريب من العين و الواقع المعاصر لوجود التسميات التي بقيت شاخصة ومحافظة على مسمها الى اليوم.
أفادت الخرائط التجارية لـ "شركة ستيفن لنج البريطانية" على أنها الاخيرة حصلت على إمتياز لتسير السفن التجارية بين البصرة و بغداد مروراً بمدينة الكوت التي أتخذت الشركة من "الكوت" العديد من المواني والتي كانت ترسوا بها سفنها وهي عبارة عن محطات للصيانة والإستراحة لأسطولها النهري والتزود بالمؤون والوقود وغيرها .
ومن هنا أجتمعت حول تلك المواني الكسبة والفلاحين من الناس والشذاذ من بعض القبائل وغيرهم في بادئ الأمر فحسب فكان العراقيين الأحرار ينكرون كل من يتعامل و يتقرب من الغزاة الظالمين المحتليين لبلادهم حيث أن هذه الأعمال تنافي الشريعة الإسلامية وتنافي القيم والمبادى والتقاليد العشائرية العربية الأصيلة وكل من يتعامل ويتصل بالأجنبي بقصد الكسب والمعيشة أو غير ذلك فهو من الشذاذ ، لكن مع أمتناع الناس نجد هناك أزدياد عدد السكان حول الحاميات والمواني والمنشآت كان هو عامل المؤثر والدور الكبير في تطورها وحداثتها ونهضتها العمرانية ، ومع تسارع الأطماع الاستعمارية وحلقة الصراع الشرقي والغربي حول منطقة الشرق الأوسط بين القوى الأستعمارية و في عام ١٩١٤م حيث أرسلت بريطانيا قواتها بقيادة الجنرال "ديلامين" على رأس قوة كبيرة من الجيش الهندي تحت ذريعة حماية "أنابيب تكرير البترول" فنزلت قواتها البصرة وأحتلتها ذلك في ٢٣/تشرين الأول من عام ١٩١٤م
وعلى الفور بدأت بزحفها نحو الشمال بأتجاه بغداد الى أن تقدمت وتغلبت في بادئ الأمر على جميع المقاومه من القوات والحاميات العثمانية ووصلت بذلك الى جنوب بغداد بالقرب من (سلمان باك) على مقربة منها بمسافة ٣٠ كيلو متر من بغداد .
أعادت القوات العثمانية تنظيمها فتصدت لها بكامل قوتها وأجبرتها على التراجع والتقهقر الى الجنوب بعد أن كبدتها خسائر فادحه فتقهقرت الى الخلف حتى بلغت مدينة "الكوت" وذلك في ٣/كانون الأول عام ١٩١٥م
ولتميز مدينة "الكوت" بموقع جغرافي الجيد والحصين تمركزت وتحصنت بها القوات البريطانية وأصرت على عدم التراجع وهنا أصبحت بين فكِ كماشه وقدت محاصرة من كل جانب تحت سطوة وغضب القوات التركية .
وقع الجنرال "طازوند" في مأزق فعدم التخطيط الاستراتيجي والتخبط الاستخباري أوقع به تحت حصار خانق ومميت تحت الظروف القاهرة و الصعبة وفي أيام طويلة تحت حرب أستنزفت فيها قواته كل ذخيرتها وقوتها العسكرية نفذت خلالها جميع والمؤون عانت قواته أنواع الموت وأشكال العذاب من الجوع والضنك ونفاذ قوتهم وذخيرتهم أدى ذلك الحصار الى تدمير المدينة وهلاك سكانها .
وبذلك أضطرت القوات البريطانية الى الأستسلام دون قيد أو شرط ذلك بعد أنهيار القوة العسكرية وعدم استطاعتهم على عزم البقاء تحت رحمة المدفع العثماني و الحصار القاتل الذي فتك قوتهم وما كان أمامهم ألا الأستسلام هو الحل الوحيد ، بيد أن التقارير تفيد أن عدد الجند الذين أستسلموا بلغ ١٣,٠٠٠ جندياً عدا الضباط والقادة الأخرين .
ومنذ ذلك الحين دخلت مدينة "الكوت" التاريخ وذاع صيتها في كل أنحاء العالم وتصدر أسمها صفحات الأولى للصحف والجرائد والمجلات العالمية وصدحت بأسمها الإذاعات العالمية دخلت مدينة الكوت عصرها الجديد في التاريخ المعاصر من أوسع أبوابه و على إثر تلك المعركة والتي ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل ألا أنها وقعت ضحية بين صراع الأقوياء من أجل احتلال البلدان ونهب الثروات وأنتهاك حرمة الشعوب .
ومن مذكرات المهندس"ويكوكس"في عام ١٩٠٩م أنه أستقدم من قبل الحكومة العثمانية ويذكر المهندس البريطاني "السير وليم ويكوكس" لدراسة أحوال الري في العراق بيد أنه أبدى أحد مقترحاته وهو إنشاء مشروع سد عملاق آنذاك هو أضخم مشروع في الشرق الأوسط آنذاك وهو مشروع "سدة الكوت" وكانت أعمال هذا المشروع العملاق قد وضع تحت المناقصة سنة ١٩٣٤م فرست المناقصة على شركة "بلفور بي تي البريطانية" بمبلغ ١,١١٩,٤٣٠ دينار عراقي آنذاك تم تدشين مشروع سدة الكوت وإنهاء العمل في عام ١٩٣٩م.
أن "سدة الكوت" اليوم هي أحد معالم المدينة ورمزها الشامخ وهي تعانق وتحتضن مياة دجلة فهي مهوى قلوب أهالى الكوت يلتقون على ضفافها يستذكرون ذكريات الماضي والحاضر يسكبون على ضفاف دجلة الحكايات والقصص والشعر و الاغاني.
يذكر الأستاذ عبد الرزاق الحسني في دراسة له حول مدينة الكوت .
( أهل الكوت خليط من الإعراب والأعاجم الذين تجمعوا من هنا وهناك للكسب والأرتزاق.
ويقصد بذلك أن سكنة المدينة كانوا خليط من الأعاجم منهم الكرد والفرس وغيرهم من البدو وهم سكان البادية تجمعوا في ذلك الحين فشكلوا سكانها.
من أشهر القبائل التي لها الأغلبية حيث التي تتوزع عشائرها على الرقعة الجغرافية لمحافظة واسط وضواحي مدينة الكوت هي :
قبيلة ربيعة ، قبيلة زبيد ، قبيلة شمر ، قبيلة دليم وغيرها من العشائر الآخر لا يسعنا الوقت لذكرها .
مر تأريخ مدينة الكوت حدثت عدة محاولات حاولت تغير أسمها القديم بيد أنها فشلت كانت تريد تغير الأسم القديم فطرحت عدة أسماء على إختلاف المدة الزمنية مثل تسمية "كوت العمارة"
وذلك لكون نهر دجلة المنسلة من ناحية "البغيلة" فلم تأخذ صدى واسع ، ومن ثم كانت محاولة اخرئ وهي من قبل عشائر ربيعة بتغير أسمها الى "كوت الإمارة" نسبة الى أمراء قبيلة ربيعة لكن بقيت مدينة الكوت أن تحافظ على أسمها وإحبطت كل تلك المحاولات التي أرادت تغيرها .
قلنا سابقا أن "الكوت" هي كلمة هندية ومعناها القلعة التي تبنى على ضفاف النهر فتكون شاخصة على الماء ، قد أكاد أجزم بصحة الحكاية التي تناقلت عبر الزمن عبر ألسن الناس وهي مفادها (أن سبع بن خميس شيد قلعة له على نهر دجلة ) فسميت باللهجة العامية لأهل جنوب العراق "جلعة خميس" وخذت هذه التسمية تدل على ذلك الموقع من الأرض الى أن دخلت القوات البريطانية الى فترجمت كلمة (القلعة) الى الهندية ومن ثم أتخذت مصطحها الجغرافي لذلك الموقع وعلية تم توثيق المدينة الكوت وعند ذلك وقعت الكوت ضحية حرب ليس لها طرف فيها ألا أنها كانت ضحية الصراع بين القوى الأستعمارية وطواغيت عصرها فغدت لهم مقبرة للغزاة على أثر تلك الحرب الطاحنة و التي دخلت فيها التاريخ وذاع صيت مدينة الكوت في شتى أنحاء العالم .
والسلام
بقلم. غالب الحبكي