بقلم. ا. غالب الحبكي
في لحظة تبدو فيها الجغرافيا وكأنها تستعيد ذاكرتها، يعود خور عبدالله الى واجهة الأحداث، لا بوصفه مجرد ممر مائي يفصل بين جزيرة بوبيان الكويتية وشبه جزيرة الفاو العراقية، بل كرمز لصراع السيادة، وتاريخ لم يُكتب بعد على نحو عادل.
لقد ظن البعض أن هذه الاتفاقية الموقعة في عام 2013 بين العراق والكويت، لتنظيم الملاحة في الخور، كانت نهاية فصل طويل لتلك التوترات الحدودية فحسب، لكن الحقيقة، كما كشفها الوثائق والخرائط اليوم ، تقول شيئاً آخر ليس أنما كما يسمى في وسائل الاعلام...فالاتفاقية، التي لم تمرر وفق الأصول الدستورية، فحسب، بل سقطت قانونياً، كما يؤكد النائب "رائد المالكي" عضو اللجنة القانونية النيابية، و "الذي يرى أن إعادة طرحها في البرلمان هو خرق للدستور، وتفريط بالسيادة البحرية العراقية".
وفي هذا السياق، يبرز صوت القانوني وهو السيد يوسف الفتلاوي،" الذي قدم سرداً دقيقاً لتاريخ الخور، مستنداً الى خرائط ما قبل عام 1990، والتي تظهر بوضوح أن خور عبدالله كان ضمن الحدود العراقية، قبل أن تفرض قرارات دولية بعد غزو الكويت واقعاً جديداً لم يكن وليد التفاوض كما يحصل اليوم، بل نتاجاً لضغوط سياسية.
تسارع الاحداث والضغط الشعبية، اعطى حيز أخر، أذ ان القضية لا تقف عند حدود القانون، فكان "الشعب العراقي" من البصرة الى بغداد، تولدت منه غضب شعبي العارم، انتجت بخروج تظاهرات غاضبة ، رافضاً ما وصفه بـ"بيع الخور"، ومطالباً بإلغاء الاتفاقية، وإعادة النظر في ملف الحدود البحرية برمته. لقد تحول الخور الى "قضية رأي عام" تتجاوز الجغرافيا، وتدخل في صميم الهوية الوطنية.
وفي تحليل أوسع، يمكن القول إن العراق يمتلك من الأدوات القانونية ما يؤهله لتقديم شكوى دولية، استناداً الى "قانون البحار" لعام 1982، الذي يمنح الدول الساحلية حقوقاً واضحة في المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة. كما أن الإدارة الفعلية للعراق على خور الزبير والموانئ المحاذية، تعد دليلاً عملياً على السيادة.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد خلاف حدودي، فحسب بل هو اختبار حقيقي لقدرة العراق على حماية مصالحه الاستراتيجية، واستعادة ما فقد في لحظة اضطراب إقليمي. فـ "خور عبدالله" كما قال أحد المحتجين في البصرة، "ليس ماء فقط، بل شريان حياة، ونافذة اقتصادية، وقضية وطن في ذمة وذاكرة أحرار العراق".