في زوايا الحياة المتواضعة، حيث تنبض القلوب الصغيرة بالأمل رغم قسوة الواقع، تتكشف لنا قصص تحمل بين طياتها معاني إنسانية عميقة. القصة التي بين أيدينا ليست مجرد سرد لأحداث عابرة، بل هي شهادة على معاناة الطفل الصغير (ع)، الذي وجد نفسه في صراع بين الفقر والكرامة، بين الحاجة والصمت، وبين الطموح والعجز عن تحقيق أبسط الأساسيات.
يبدأ المشهد بمناجاة الطفل لوالده الغائب، متسائلًا عن سبب تغيبه الطويل، في تعبير صادق عن إدراكه المبكر لحجم المسؤوليات التي أثقلت كاهل الأسرة. لم يكن الطفل مجرد متلقٍّ للعطاء، بل كان واعيًا بمستقبلٍ محفوفٍ بالتحديات، مدفوعًا بقلق داخلي حول ما ينتظره. وفي لحظة من لحظات البوح المؤلم، كشف عن حذائه المهترئ، ذلك الحذاء الذي أصبح صورة مصغرة عن واقع أشد قسوة، يروي قصته دون أن ينطق، بجلدٍ ممزقٍ ونعالٍ بالكاد يقاوم خطواته الطفولية.
لكن اللافت في هذه الحكاية لم يكن الحرمان ذاته، بل ردة فعل الطفل تجاهه. فهو لم يطلب حذاءً جديدًا، بل كان حلمه أقل بكثير من ذلك—حفنةٌ من الصمغ تكفي لإصلاحه، كي يتفادى سخرية أقرانه ويستعيد شيئًا من كرامته المهددة. في طلبه ذلك، رسم الطفل صورة لمعاناة صامتة تعجز عن الجهر بالمطالب، لكنها تشع بالألم والإصرار على التمسك بالبقاء، ولو من خلال وسيلة بدائية كالصمغ.
**إنها صورة تختزل مفاهيم العدالة الاجتماعية والتحديات الاقتصادية في أبسط أشكالها، صورةٌ تجعلنا نتساءل: هل أصبح امتلاك حذاءٍ لائقٍ حلمًا بعيد المنال لبعض الأطفال؟**
ليست هذه القصة مجرد سرد مؤثر، بل هي صرخة يجب أن تُسمع، ورسالة لا ينبغي أن تمر كغيرها من المشاهد العابرة. إنها دعوةٌ للمجتمع كي يلتفت إلى هؤلاء الصغار الذين يختبئون خلف الجدران، لا يطالبون بالكثير، ولا يشكون إلا لمَن يثقون بإنسانيته. علينا أن ندرك أن الحل لا يكمن فقط في تقديم المساعدة المؤقتة، بل في بناء منظومة تضمن لكل طفل حقه في العيش بكرامة، دون أن يضطر ليطلب القليل ليحلم بالكثير.
إنها ليست مجرد قصة طفل وحذاء ممزق، إنها قصة وطن يعاني بصمت، وصورةٌ تظل محفورة في الذاكرة، تسائل الضمائر وتحثها على إعادة التفكير في الأولويات. فهل سنقف عند حدود التأثر؟ أم ستكون هذه الكلمات بداية لحراكٍ يُعيد للأطفال شيئًا من حقوقهم المنسية؟