الشاعرة منى الصراف جمالية المفردة الشعرية والتشكيل اللغوي // بقلم الاستاذ الأديب أياد النصيري-العراق

.

الشاعرة منى الصراف
جمالية المفردة الشعرية والتشكيل اللغوي
أياد النصيري-العراق-6-7-2017
**********************************
أن النص الأدبي كيان حي نابض بالحياة والمشاعر، وله روح وهو صادر عن إنسان تفاعل مع الكلمة والحدث، فكان النص خطابا حاملا لرسالة محملا بشفرة إنسانية لها حياة من حياة كاتبها، فمهما كانت رمزية النص وكثافة بيانه لا يمكن لنا هدمه ففي هدمه قتله
من هنا اقرا بعض كلمات جميلة ونصوص قصيرة لشاعرة عراقية اتخذت من الأدب لها عنوانا رغم انها تمتلك الطاقة العلمية في فكرها كونها تعمل بحقل الهندسة لكن لديها المخزون المتكامل ولديها قاموسها اللغوي ومفرداتها المكثفة   عشقت وأحبت اللغة والأدب   قاصة وروائية  شاعرة بإنتظام  تعرف أدوات الشعر وتكتبه بلغتها وبراعتها وتعرف كيف تنتقي  جمال مفردات الشعر وتشكلها بلغتها المعهودة وترسمها بلوحة وومضة وقصيدة شعرية ونثرية —-هي الشاعرة (منى الصراف)
حيث نوقن ان الشاعرة تمتلك  حرية الحق في النظر والتأمل في الوجود والكون وتفاصيل الحياة بالخيال والفكر الحر المستنير وتعيد صياغة الواقع الذي تنتمي له بل تنمي وتطور رؤيتها الصادمة للعالم من حولها انها لها الحق —حق لابد منه لعالم الابداع الراقي  وآراءالناس مختلفة ولا حيلة لنا في مقاومة المختلف والمختلف عن نظرتنا العالية العالمية  للأنسان ومشاعره
ولوج عالم (الصراف) الشعري الملتبس، كثيف الصور الزاخرة بالرموز والدلالات والعوالم الكبيرة والصغيرة والرؤى الشاسعة المؤسسة عن وعي شعري وفلسفي، تعكس بالقول الشعري حقيقة أدبية ساطعة مفادها : أننا أمام شاعرة تمتلك زمام القول الشعري صياغة وتخيّلا، وتقبض على جمالية شعرية تربك القرّاء مهما اختلفت أنماطهم الخبراء والعاديون
إن الشاعرة جعلت للحب وطنا في قلبها وللعشـــق لســــانا وكلامـــــها المبــــاح مرتعـــا خصبا … إنها تشتهي الحياة كأنثى وتظهر خلال القصيدة كأمرأة مثالية في إحساسها وحيويتها وعقلانية في ثقافتها وفي بناءها الصريح للمعاني والتعابير و في التعامل مع ذاتها و التصالح مع وجدانها…
هي ا مرأة انطلقت من مخاض مواجهة النصوص مع النفس ومع الآخر لتجعلها كلمات تجلجل الواقع وتخضه خضا دون مواربة …إنها تسجل أنفاسه لحظة بلحظة دون مناوئة للطموحات التي اعتقلتها لاوعيها ضمن خزان الزمن الماضي مقيدة بتلك التقاليد  الماضيةوتجعل بيدها البيضاء قماشا تغزله بأحرف الحداثة بأناملها جديدا زاهيا بأصداف وعقيق المعاصرة …منيرا يشع شعرا براقا للمستقبل الآتي للشواعر في عالم الغزل الفسيح المتفرد و المتجدد.- نلاحظ أن القصيدة تتميز بالرقة والسهولة في البناء ومعنى الظاهر والباطن…ما دامت غزلا رقيقا ناعما فهذا البناء يتوافق مع فلسفة الموضوع وذاتيته, لكن على مستوى تركيبة المعمار نرى أ ن له معاني تراوحت بين حوار الذات بالمخاطب ومع حوار الآخر بضمير الغائب كأنها كتبت النص خارج النظرية ولم تسع الشاعرة إلى محاكاة نموذج ولا مجاراة رؤية شكلية\هندسية بل أراها تؤسس لنمط الكتابة الحداثية في الغزل بأسلوب الأنثى المتحررة والثائرةعلى نمطية بناء النصوص الغزلية الذكورية المستحودة على الموضوع وهذا مانقرا في نصها (عرجاء)
***************
أعرفُ أن للعشق ارتحال
كما هي روحي .
فراشة أنهكها التجوال
مع كل ريح ..
ينبتُ لي جناح ..
يموت واحد والأخر أسير به ..
عرجاء
أتلمس الضوء ، اعيش وافكر ..
بجدوى الهواء!؟
كم أنت خبيث ..
ياهواء
************
نلاحظ مدى التفاعل الذاتي والسعي الحثيث لخلق الصورة الشعرية الامثل التي تمكن الذات من خلالها ايصال الرؤية بكل حراكاتها وانفعالاتها وتفاعلاتها الى المتلقي .. وهذا بلاشك لايتم الا من خلال البناء اللغوي المتين المستوحاة من الاحساس الداخلي لصور البيان.. وهذا ما يتكرر بوضوح واتقان في العديد من نصوص  (منى الصراف)، وفي خضم هذا التفاعل الذاتي مع الحراك النصي نلامس تنوعاً بلاغياً اسلوبياً صورياً يتيح للمتلقي مساحات تخييل واسعة مما يمكنه ان يندمج بصورة كلية مع دلالات ومعاني النصوص.. مما يعني بالتالي الكشف عن القدرة التصويرية للشاعرة والاشتغال الحسن عليها باعتبارها عنصراً رئيساً في بنية الشعر الحداثي بما يكمن في عناصرها من دهشة ومفارقة وانزياح وخيال فسيح، لاسيما ان الشاعرة تستطيع من خلال توظيفاتها ان تنقل المتلقي من الذاتية المتفاعلة الى حراك متبادل بحيث يعيش المتلقي نفسه التجربة ويكون ضمن مداراتها ومحركاتها وهذا ما يتجلى بصورة واضحة في بعض نصوصها
**************
للتو خرجتُ من عشق .. مزرٍ
لم يكن لي مزاج .. لحب آخر
يقضي عليّ
شربتُ نخب الوجود .. حد الثمالة
أنظرُ عبر .. عقلي
شيءٌ ما إختل فيه
ثقبٌ في الأرض .. قبري
شمسٌ لم تستطيع إختراقه
صمودٌ بعدم قتل .. نفسي !
زمن المعجزات قد ولى
كيف !؟ وهذا العطر أشمه
بحيرةٌ رقراقةٌ
شفاهٌ طارت بي
الى الجنة
******** . 
، حيث نجد بان الصورة الشعرية فيها تفتح الافاق لدى المتلقي لقراءات متعددة ومفتوحة.   فيتحول المتلقي من صفة التلقي الى صفة التشارك مع حيثيات الرؤية النصية وحراكاتها، فالصورة الشعرية لدى شاعرتنا تنمو داخل ذاتها مع النص الشعري، وليست شكلا منفصلا انما تلتحم بها التحاما ممشوقاً فتأتي الصور اكثر تجاوزاً للظواهر ومواجهةً للحقيقة الباطنية خالقة في مسارها علائقية واضحة بين المفردات بوسائل بيانية تؤدي الى الصورة الفنية التي تستمد طاقتها الايحائية وحقيقتها من تسامهيا ومتانة وجاذبية تراكيبها.
ارتكزت الصورة الشعرية في نص الشاعرة (منى الصراف)على الاستعارة بشكل كامل، لدرجة أن النص كله يكاد أن يكون استعارات متتالية.
وهناك ملاحظة أخرى يراها المتتبع لخصائص الصورة في النص، هي اكتفاؤها بمفردتين تقوم عليهما الصورة، تعطي جمالية النص بالانزياح اللغوي الذي تشكلانه، والأهم: تفتح آفاق النص وتشظيه، بتحميلها إيحاءات كبيرة ومتعددة —تعتبر الشاعرة منى الصراف من الأصوات الشعرية الأصيلة التي أمسكت بزمام القول الشعري وأعطت للكلمة الشعرية الفرصة كي تتفجر جمالا وروعة وإثارة. شاعرة تنتمي إلى النبض الجمالي ويصدر عن رؤيتها ذلك الأبداع تستوعب التراث والحداثة،تذيب الحدود وتضع كل الجسور الممكنة للعبور بين الأزمنة والتجارب الشعرية
******
خذني .. بعطفكَ
سحابةٌ  تمطرُ  بنوره ..
قلبي
ممتلئة  بكَ  عشقا ..
ربي
روحي  هائمة ..
افتح  لها  الباب
بأحضان  رحمتك ..
ثَمُلتْ  كأسي
أغويتهم  خمرا  ولبنا  وحور عين
حرةٌ  أنا  اليكَ .. بحبي
عشقتكَ  بروحي
فهل  منكَ  أنفصال
فقلبي  عند  بابكَ  ..
يطرق
خذني بعطفك .. ربي
****************
إنها شاعرة مقتدرة منفتحة مكتملة الأدوات الفنية، تمتلك آليات النظم على النمط التقليدي كما تمتلك ميكانيزمات الحداثة الشعرية. اجتمعت فيه الشاعرية والمعرفة والحكمة والدراية الواسعة بسراديب الحياة ومنعرجاتها. فتحولت أشعارها إلى سيرة ذاتية لشخصيتها العاشقة للجمال والسابرة لأغوار الواقع والمتأملة في الوجود والإنسان والحياة
الانسان يحاول أن يتغلب على الزمن بالفعل ، بالعمارة ، بالبناء الشامخ ، والكاتب ـ بالتحديد الشاعر أكثر من غيره ـ باللغة التي لها رنة الايقاع
إن التغلب على ضعف الانسان ، وخواء حلمه هو تجل ٍ أكيد للوضعية البشرية التي تمثل مأزقا يتواتر باستمرار من جيل إلى جيل ، ولا شك أن الشاعرة تملك من مفاتيح لغتها ما يمكنه من تجاوز الأبعاد المنطقية للواقع المحض ، محاولة أن تشيد عمارتها اللغوية ، متخلصة من كل ضعف أو تردد ، أو شك
فالحروف  فيما تتجه نحو الحركة الأفقية  في اغلب نصوصها كي تشتبك مع ذاكرة أجهدها النسيان
التبدد والنسيان ، الوردوالعشق ( والجسد) ، ورائحة ورودها وعطرها حيث تأخذنا من يدنا لنتفاعل مع هذا المقطع البديع الذي يتجاوب فيه أنين الألم مع أمشاج رومانسية راقصة تعلي من قيمة اللغة التي تحولت إلى معزوفة رقيقة من لحن سماوي يتصاعد في سموق إلى الأعالي
*************
(خمرٌ وورد )
حملتُ سلتي فوق رأسي
من يشتري الورد من الوردِ
يصنع لي عطراً يرشرشه
فوق جسدي
لأحيا دون ابجدية
وأكسر ذلك القلم
ما مسكته يوما إلا
لأحرق العشق
على الورقِ
************
كان الحب  في نصوص (منى)يبدأ في هدوء ، ويركض المحبون من كل زوايا الألم الصموت ليرقبوا المشهد حيث. اعتمدت الشاعرة  أساليب متنوعة  كالأسلوب الاستفهامي  وأسلوب الأمر وأسلوب الخطاب ونوعت في المخاطب (هو -هي )وجاء  نصها متراوح بين الخاطرة الأدبية والشذرات نثراً وشعرا, تصوغ من خلالها فلسفتها الأنيقة ولغتها الشاعرية التي تعج بالإيماءات والإشارات .. يتحكم في  هذا النص حقلان دلاليان , حـــــب الوصـــــــال والمعـــــاناة والمكابـــــدة الروحية \النفسية وهما الحقلان اللذان يحددان نوع العلاقة بين الشاعرة والنص
وهناك ملاحظة أخرى يراها المتتبع لخصائص الصورة في النص، هي اكتفاؤها بمفردتين تقوم عليهما الصورة، تعطي جمالية النص بالانزياح اللغوي الذي تشكلانه، والأهم: تفتح آفاق النص وتشظيه، بتحميلها إيحاءات كبيرة ومتعددة ولننظر إلى المقطع الشعري
**********
إغرزْ بحب الله ..بذورك
فأرضي خصبة ..
ستنجب لكَ قمراً
يشبهك ويشبهني
مَنْ مَنَ الرجال كأنتَ !؟
وكم من النساء تشبهني ؟
إجعلْ مني مزيجكَ
إشعلني واطفئني
******************
فسلمت قريحة شاعرتنا (منى الصراف) ودام دفقها المائز ولا نضب المداد..
وهنا لابد أن اقرأ اكثر فأكثر لبعض نصوصها وان شاء الله تكون بحوزتي



صاحب الإمتياز الاستاذ الإعلامي غالب الحبكي

أخـر الأخبار

3efrit blogger


المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المــوقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

عدد الزيارات الأن

Translate

البحث

قسم الحفظ والأرشيف