المعتمد ابن عباد "رعْيُ الابل عند ابن تاشفين خَيْرٌ لي من رَعْي الخَنازِيْرعند الفونسو"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 29-6-2017
هو المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن الملك المعتضد بالله أبي عمرو، عباد بن الظافر بالله أبي القاسم، قاضي إشبيلية، ثم ملكها، محمد بن إسماعيل بن قريش اللخمي، قيل: هو من ذرية النعمان بن المنذر صاحب الحيرة. حكم المعتمد المدينتين قرطبة وإشبيلية، وأصلهم من الشام.
نشأ المعتمد بن عباد كغيره من أبناء الملوك على الميول والدعة والترف، وكانت نشأته في الأندلس، ولما أراد أن يستنجد بالمرابطين وقد حزره البعض من حاشيته أبى إلا الاستنجاد بهم وهذا يدل على أنه نشأ نشأة إسلامية إلا أن الترف والدعة غلبت عليه.
كانت الدولة الاسلامية في الاندلس قد اعْتَراها الوَهَنُ بحُلُول القَرْن الخامس الهجري، فتَقاسَمَت طائفةٌ من الأمراء السَّيْطرة على أراضي المسلمين بها، وأقاموا دُوَيْلات صغيرة مُتَناحِرة، في الوقت الذي كانت مَمالكُ النصارى بشِبْه جَزِيرة الأندلس - وعلى رأسها مَمْلكة قَشْتالة برئاسة الفونسو - تَتَوَسَّع على حِساب أَراضِي المسلمين، وتَفْرِض الجِزْيَة على مُلوك الطَّوائف، الذين لم يَدْفعهم الحالُ المَذْكُور إلى توحيد صُفُوفهم، وتَرْك الصِّراع على الدنيا؛ لصَدِّ العُدوان النَّصْرانِي عليهم، بل راحَ بعضُهم يستعين على بعض بمُلوك النصارى، ولا يَأْنَف من بَذْل مُدُن الإسلام لهم، في مُقابِل الحُصول على مَعُوْنَتِهم لهم ضِدَّ إخوانهم في المِلَّة والدِّيْن . وقد كان ألفونسو السادس من أَشَدِّ مُلُوك نَصارى الأندلس بَأسًا على دويلات الطوائف، وأكثرهم غَزْوًا لأراضي المسلمين، فثَقُلَتْ وَطْأَتُه على مُدن الإسلام، وعَظُمَت نِكايَتُه في أهلها، فقَرَّر المُعْتَمِد ابن عَبَّاد - وكان من كبار مُلوك الطوائف - أن يستعين بإخوانه في العقيدة من المُرابِطِيْن من أهل المغرب الأَقْصى وكان أميرُهم حِيْنها يوسفُ بن تاشفين رحمه الله تعالى .
ذكر لِسانُ الدِّيْن ابن الخَطِيْب في أَعْمال الأَعْلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أن الرَّشِيْد ابن المُعْتَمِد ابن عَبَّاد قال لأبيه ما معناه: حاول الأَمْرَ بجُهْدك مع النَّصْرانِي، ولا تَسْتَعْجِل بإدخال علينا من يَسْلُبنا المُلْكَ، ويُشَتِّت الشَّمْل، فقال له أبوه المُعْتَمِد: يا ولدي، لأَنْ أموتَ راعيًا بالمغرب خَيْرٌ عندي من أن أَرُدَّ الأندلسَ دارَ كُفْر؛ فتكون اللَّعْنةُ عَلَيَّ من المسلمين أَبَدَ الدَّهْر، فقال: يا أَبَتِ، افعل ما أراك الله ..
قال الحِمْيَرِيُّ في الرَّوْض المِعْطار :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ انْفَرَد ابنُ عَبَّاد بتَدْبِيْر ما عَزَم عليه من مُداخَلة يوسف بن تاشفين، ورَأت مُلوكُ الطوائف بالأندلس ما عَزَم عليه من ذلك، فمنهم من كتب إليه، ومنهم من شافَهَه، كلهم يُحَذِّرُه سُوءَ عاقبة ذلك ، وقالوا له: المُلْكُ عَقِيْم، والسَّيْفان لا يجتمعان في غِمْد فأجابهم ابنُ عَبَّاد بكلمته السَّائِرة مَثَلًا: رَعْيُ الجِمال خَيْرٌ من رَعْيِ الخَنازِيْر، أي إن كَوْنَه مَأْكُولًا لابن تاشفين أَسِيْرًا، يَرْعَى جِمالَه في الصَّحْراء خَيْرٌ من كَوْنه مُمَزَّقًا لابن فرذلند أَسِيْرًا، يَرْعَى خَنازِيْرَه في قَشْتالة، وكان - أي ابن عَبَّاد - مَشْهورًا بوَثاقة الاعْتِقاد، وقال لعُذَّالِه ولُوَّامِه: يا قوم، أنا من أَمْرِي على حالَيْن: حالةُ يَقِيْن، وحالةُ شَكٍّ، ولا بُدَّ لي من إحْداهما، أما حالةُ الشَّكِّ؛ فإني إن اسْتَنَدْتُ إلى ابن تاشفين، أو إلى ابن فرذلند، ففي الممكن أن يَفِي لي، ويُبْقِي عَلَيَّ، ويمكن ألَّا يفعل، فهذه حالة شَكّ، وأما حالة اليَقِيْن؛ فهي إني إن اسْتَنَدْتُ إلى ابن تاشفين، فأنا أُرْضِي اللهَ، وإن اسْتَنَدْتُ إلى ابن فرذلند، أَسْخَطْتُ اللهَ، فإذا كانت حالةُ الشَّكِّ فيها عارِضة، فلأَي شيءٍ أَدَعُ ما يُرْضِي اللهَ، وآتِي ما يُسْخِطُه؟ وحينئذ أَقْصَر أصحابُه عن لَوْمِه.
أرسل رسالة إلى الأدفونش يقول له فيها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذّلّ تأبـاه الكـرام وديننـا *** لك ما ندين به من البأسـاء
سمناك سلمًا ما أردت وبعد ذا *** نغزوك في الإصباح والإمساء
الله أعلـى من صليبك فادرع *** لكتيبـة خطبتك في الهيجاء
سوداء غابت شمسها في غيمها *** فجرت مدامعها بفيض دماء
ما بيننـا إلا النـزال وفتنـة *** قدحت زناد الصّبر في الغماء
من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله، إلى الطّاغية الباغية أدفونش الذي لقَّب نفسه ملك الملوك، وتسمّى بذي الملَّتين، سلام على من اتَّبع الهدى، فأول ما نبدأ به من دعواه أنه ذو الملّتين والمسلمون أحقّ بهذا الاسم؛ لأن الّذي نملكه من نصارى البلاد، وعظيم الاستعداد، ولا تبلغه قدرتكم، ولا تعرفه ملّتكم، وإنّما كانت سنة سعدٍ اتَّعظ منها مناديك، وأغفل عن النّظر السديد جميل مناديك، فركبنا مركب عجز يشحذ الكيس، وعاطيناك كئوس دعةٍ، قلت في أثنائها: ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك، وإنّا لنعجب من استعجالك وإعجابك بصنعٍ وافقك فيه القدر، ومتى كان لأسلافك الأخدمين مع أسلافنا الأكرمين يدٌ صاعدة، أو وقفة مساعدة، فاستعد بحربٍ، وكذا وكذا.. إلى أن قال: فالحمد لله الذي جعل عقوبة توبيخك وتقريعك بما الموت دونه، والله ينصر دينه ولو كره الكافرون، وبه نستعين عليك.
قال المعتمد بن عباد وهو في سجن أغمات:
سلت علي يد الخطوب سيوفها *** فجذذن من جسدي الخصيب الأفتنا
ضربت بها أيدي الخطوب وإنما *** ضربـت رقاب الآمليـن بنا المنـى
يا آملي العـادات من نفحاتنا *** كفـوا فإن الدهـر كـف أكفنـا
ومن أقواله لما حذره بعض الناس من الاستعانة بيوسف ابن تاشفين، فقال: "رعي الجمال خير من رعي الخنازير".
قالوا عن المعتمد بن عباد
قال عنه ابن كثير: كان المعتمد هذا موصوفًا بالكرم والأدب والحلم، حسن السيرة والعشرة والإحسان إلى الرعية، والرفق بهم، حزن الناس عليه، وقال في مصابه الشعراء فأكثروا.
وقال الذهبي: كان من محاسن الدنيا جودًا، وشجاعة، وسؤددًا، وفصاحة، وأدبًا
وفاة المعتمد بن عباد
انقضت سنوات الأفراح، وأقبلت أيام الأتراح، فبعد أن كان أميرًا أصبح أسيرًا، فقد توفي المعتمد بن عباد أسير في سجن أغمات بعد أن أخذه يوسف بن تاشفين وأسقط ملكه، وذلك عام ثمانية وثمانين وأربعمائة.
المعتمد ابن عباد "رعْيُ الابل عند ابن تاشفين خَيْرٌ لي من رَعْي الخَنازِيْر عند الفونسو // بقلم د.صالح العطوان


صاحب الإمتياز الاستاذ الإعلامي غالب الحبكي
أخـر الأخبار

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المــوقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك